مشروع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة تمهيد طرح الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، مشروع تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي، في 21 أبريل 1965، على أساس قرار تقسيم فلسطين، الصادر عن الأمم المتحدة، في 22 نوفمبر 1947. والتقى الرئيس التونسي، يوم 21 فبراير، أعضاء مجلس الأمة المصري، وقال: إنه على الرغم من أن الاتفاق، الذي تم في مؤتمر القمة، في خصوص "المشكل الصهيوني"، قد جاء خلافاً للخطة، التي اقترحتها تونس، "فإن بلاده مستعدة للمساهمة بقسط في تنفيذ كل قرارات مؤتمر القمة، تضامناً مع إخوانها، وتفاؤلاً بما أظهرته اجتماعات القمة من عزيمة". وأشار إلى أنه كان دوماً يرى، أن هذا "المشكل" هو "مشكل استعمار، وأن الطرق الكفاحية التي توخيناها في المغرب العربي، قد تكون ناجحة لتحرير أرض فلسطين. لذلك، أعلنا واجبنا أن نواجه مشكلة فلسطين مواجهة الجد، وأن نمد يد المساعدة لإخواننا، حتى يتحرروا من سيطرة، لا تختلف كثيراً، في جوهرها وأهدافها، عن تلك التي ابتلينا بها نحن في المغرب العربي". وفي 22 فبراير 1965، صدر البيان المشترك عن محادثات الرئيسين، عبدالناصر وبورقيبة، في القاهرة. وفيه أكّدا "تأييدهما لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومساعدتها على استرداد حقوق الشعب الفلسطيني كاملة". كما أعلنا "أن تزويد السلطات الإسرائيلية بالأسلحة، هو تشجيع للعدوان الإسرائيلي، وتهديد خطير لكيان الدول العربية كلها، الأمر الذي يستدعي متابعة تطوراته باهتمام شديد، حماية لسلامة الدول العربية وصيانة لأمنها". وقد ألقى الرئيس الحبيب بورقيبة خطاباً في أبناء فلسطين، في أريحا، يوم 3 مارس 1965، أثناء زيارته الرسمية إلى الأردن. دعا فيه إلى اتِّباع سياسة المراحل، بالنسبة إلى تحقيق آمال العرب في فلسطين. وأخذ على العرب تمسكهم بما أسماه "الكل أو لا شئ". وقال إنه كان على العرب أن يقبلوا التقسيم، لأنهم لو فعلوا، لكانوا في حالة أفضل مما هم عليه الآن (انظر ملحق خطاب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في أبناء فلسطين). وتحدث الرئيس بورقيبة، في مؤتمر صحافي، عقده في بيروت، يوم 11 مارس 1965، بمناسبة انتهاء زيارته الرسمية إلى لبنان، عن فلسطين. فدعا إلى الأخذ بسياسة "خذ وطالب". وأكد أن تحقيق آمال العرب في فلسطين، لا يكون إلاّ على مراحل. فسّر سياسة "لا غالب ولا مغلوب"، بقوله إنها تعني "تجاوز إطار الغلبة، الذي أنا فيه، والارتفاع إلى نطاق التساوي بعدم غلبة أحدنا للآخر. وعندها، أضمر في نفسي ما يجب أن أضمر من أسباب الكر والفر، واستخدام الدهاء السياسي، وأدرس قوة خصمي، فأوجهها، دولياً، إلى مصلحتي، وعندها، أفوز بمبتغاي". ورداً عن سؤال صحافي، حول الضجة، التي رافقت تصريحاته عن قضية فلسطين، قال الرئيس بورقيبة، في إستانبول، يوم 29 مارس، أثناء زيارته الرسمية إلى تركيا، إن كل ما فعله هو "أننا اقترحنا طريقة في النضال، حققت لنا النجاح في تونس. وهي طريقة تتناسب مع إمكانياتنا، وتقبل مبدأ المراحل في الكفاح، ولا تسد الباب أمام المناقشة والمفاوضات، ولا هي من تلك الطرق التي تعتمد مبدأ (الكل أو لا شيء). ونشرت جريدة "الصباح" التونسية، في عددها الصادر في الأول من أبريل، نص الخطاب، الذي ألقاه الدكتور وليد القمحاوي، نقيب أطباء الأردن، في مؤتمر الأطباء العرب الرابع، المنعقد في تونس، في حضور الرئيس الحبيب بورقيبة. وفيه حيّا كل الذين يؤمنون، مع شعب فلسطين، بأن المأساة الفلسطينية، لا تحتمل سوى حل واحد، هو القضاء على إسرائيل". وأمّا الأصوات، التي ترتفع، بين الحين والحين، داعية إلى التعايش مع إسرائيل، أو التعايش مع الغزاة الصهيونيين في فلسطين، فهي ليست أصوات شعبنا. إن شعار الواقعية، التي تتستر وراءها، إنما هي واقعية الاستعمار، الذي يزعم أن إسرائيل حقيقة قائمة، وأنها وجدت لتبقى". وقال إن واقعية الشعب العربي، هي واقعية الثوار، الذين رفضوا الاعتراف بالاستعمار الفرنسي في المغرب العربي الكبير، "وكافحوه بإصرار، حتى جعلوه يحمل عصاه ويرحل". وإن هذه الواقعة الثورية، هي التي "تملي على أمتنا العربية، أن تقف من حكومة ألمانيا الموقف الحازم، الذي تملية الكرامة الوطنية والمصلحة القومية، لا يلهينا إغراء، ولا يثنينا وعيد". وقد نخسر نتيجة الوقفة الحازمة شيئاً، ولكن يجب أن نجعل عدونا يخسر أكثر. ثم أشار إلى زيارة الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، قبل أسابيع قليلة، إلى مدينة نابلس، حيث خرج الآلاف يهتفون لفلسطين، إيماناً منهم بالعودة إليها، وعودتها إلى أهلها. وقال: "وعرب فلسطين، لا يتعلقون بالأوهام، كما يتصور البعض، عندما يؤمنون بالعودة، وإنما يعلمون أن طريق العودة شاقة طويلة. فهم يستعدون لها بالنفَس الطويل، وبالأمل، يجسدونه في منظمة التحرير الفلسطينية، وبالعمل الجبار الدؤوب". وفى 15 أبريل، أصدر الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، بياناً، قال فيه إنه ليس صحيحاً ما ذكرته صحف تونس، من أن هيئة المكتب، قدمت اعتذاراً إلى الرئيس بورقيبة، عند مقابلته في اليوم السابق، عمّا ورد في خطاب الدكتور القمحاوي، رئيس الدورة السابقة للاتحاد. ولكن الحقيقة أن هيئة المكتب، توجهت لتقديم الشكر إلى الرئيس التونسي، لافتتاحه المؤتمر. وأعلن البيان، أن ما ورد في خطاب الدكتور القمحاوي، يعبر تعبيراً صادقاً عن رأي الأطباء العرب، الذي أعلنوه في جميع مؤتمراتهم السابقة. وقد رفض الرئيس بورقيبة استقبال أعضاء المؤتمر، كما كان مقرراً من قبل، وبعد أن وصلوا، فعلاً، إلى قصره، طبقاً لبرنامج الزيارات، وذلك بسبب إذاعة البيان المشار إليه. وفى 14 أبريل، صرح الرئيس بورقيبة لجريدة "نوفل أوبزرفاتور" الفرنسية، "أن ما من أحد، إلاّ ويعلم أن الحرب مستحيلة، وأنه لا تنقضي بضع ساعات على إشهارها، حتى توقفها الدول الكبرى، وأن الولايات المتحدة الأمريكية، التزمت التدخل بكل عزم، لتحُول دون عدوان إسرائيل على العرب، أو عدوان عربي على إسرائيل. تصريح الرئيس بورقيبة لتليفزيون باريس أثناء زيارة الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، إلى تشيكوسلوفاكيا، أدلى، في الأول من أبريل 1965، تصريحات مهمة لتليفزيون باريس، حول جولته الأخيرة في الشرق الأوسط، والضجة التي قامت حول مقترحاته، المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وفيما يلي نص الحديث: س: أدليتم في بيروت، في شأن قضية إسرائيل، بتصريحات، كان لها وقع كبير، وأثارت حتى الامتعاض. فما الذي حدا بكم على الحديث في هذه الفترة بالذات؟ ج: ذلك هو اعتقادي. ولقد تصرفت، إلى حدّ ما، مثل تصرفي أثناء المعركة ضد الاستعمار. فمع الاستعمار الفرنسي، لم أتخذ قط موقفاً متحجراً عاطفياً أعده سلبياً. ولقد عرفنا مثل هذه النظرة في تونس، وكانت نظرة سلبية عاطفية، سادت تونس نصف قرن، دون أن تتقدم بها خطوة واحدة في سبيل التحرر. ومنذ ذلك اليوم، الذي تولينا فيه أمر الحركة الوطنية، ميزنا بين التعاون والهيمنة، بين فرنسا بلد المبادئ، وفرنسا بلد الحضارة، من جهة، وبين المعمرين والجندرمة أو العسكريين، من جهة أخرى. ولقد أدخلنا هذا التمييز في تفكير الشعوب، وكثيراً ما قلت، ونحن في خضم المعركة ضد الهيمنة الفرنسية، إننا نريد التعايش مع الفرنسيين، ونريد أن تكون لنا علاقات عادية ووُدية بالفرنسيين، وإننا سنكون في حاجة إلى أن نعيش مع الفرنسيين في صفاء، لكننا نريدها مطهرة من نزعات الغزو والهيمنة، وصدق هذا القول أيضاً أنه ما دمنا تحت الهيمنة الفرنسية أن نقول قولاً جميلاً لفرنسا. ولقد أردت أن أجمع بين الأمرين، فقلت إن اليهود، من جهة، يمكن التعايش معهم، ومن جهة أخرى، هناك كرامة العرب وحريتهم في تقرير مصيرهم. فصدم هذا القول البعض، وأستطيع أن أؤكد لكم، أنه لم يصدم كل الناس، وأن الاستقبالات الشعبية، التي لقيتها، والحماس الذي قوبلت به، سواء في فلسطين أو من لدن اللاجئين الفلسطينيين، في الأردن وفي مصر، تقيم الدليل على أن بعض الصحافيين يمثلون، فعلاً، نظريات قد تكون مخلصة، لكنهم لا يمثلون رأي الأغلبية الساحقة لسكان هذه المنطقة. وإجابة عن سؤال آخر، قال الرئيس بورقيبة: إنني التزمت دائماً لغة الإخلاص. ولكن القادة، أبدوا، أثناء المحادثات، تفهماً أكثر مما أبدوه أمام الجماهير. ولقد قبلوا التقدم شيئاً فشيئاً، وهنالك بعض الحلول الوسطى، يمكن أن تشكل مراحل، على أن هنالك في تلك البلدان مشكلة الجماهير، التي تأثرت بالإذاعة والخطب، إلى درجة أنها تحدّ من حرية عمل الزعماء. فهؤلاء الزعماء، يعمدون، في سبيل الهتاف لهم، إلى الظهور على جانب كبير من الوطنية، فيلاطفون الميول، ويعدون الجماهير الجائعة، المعذبة، المهانة، بالأماني، ويعدونهم بتحقيق آمالهم بين عشية وضحاها. وما أن يحاول زعيم، والحالة تلك، تدبير وسيلة، تستهدف حلاً وسطاً، حتى يجد نفسه متضايقاً في أعماله، وفي طريقة تصرفه. وهي حالة تتواصل منذ سبع عشرة سنة. وأذكر، فعلاً، منذ ثلاثين سنة خلت، عندما كنا في بداية المعركة التحريرية في تونس، أنه كان هناك حرب العصابات في فلسطين، والتي لم تعد الآن موجودة. تلك هي النتيجة. مشروع بورقيبة في21 أبريـل 1965، تقدّم الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، بمشروع تسويـة للنزاع العربي ـ الإسرائيلي، على أساس قرار التقسيم، الصادر في نوفمبر 1947، تضمن النقاط البارزة التالية: أولاً: تعيد إسرائيل إلى العرب ثلث المساحة، التي احتلتها منذ إنشائها، لتقوم عليها دولة عربية فلسطينية. ثانياً: يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى دولتهم الجديدة. ثالثاً: تتم المصالحة بين العرب وإسرائيل لتنتهي حالة الحرب بينهما. ونشرت جريدة "العمل"، في عددها الصادر في 23 أبريل 1965، نص الحديث، الذي دار بين الرئيس بورقيبة وأعضاء "المكتب القومي للطلبة الدستوريين"، حول فلسطين. وكان مما قاله: "إنني لست زعيماً للفلسطينيين. ولو كنت كذلك، لما رأيت مانعاً من التقابل مع الإسرائيليين. ولقد تقابلت مع الفرنسيين، والحماية قائمة في تونس، وتفاوضنا، فنجحت المفاوضات أحياناً، وأخفقت في أحيان أخرى. فأي ضرر لحقنا من ذلك؟". ودعا إلى لقاء عربي ـ إسرائيلي، إمّا في روما، أو في أي بلد أجنبي، من أجل الوصول إلى حل وسط، "يضمن لنا عودة اللاجئين، ويضمن لها (أي لإسرائيل) اعترافنا بوجودها داخل الحدود، التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة، داخل الأراضي التي استحوذت عليها، في إثر الغلطة الفادحة، التي ارتكبها العرب، عندما رفضوا مقررات الأمم المتحدة، مما جعل نصيبهم يتضاءل، ويصبح أقل مما أعطتهم الأمم المتحدة. وهكذا، فإن الحل يقتضي احترام مبدأ وجود إسرائيل، ويضمن لنا، في مقابل ذلك، ربحاً مهماً، يفوق الأرض والمدن، التي نسترجعها، إذ نتمكن من إعادة اللاجئين، ومن إيجاد وضع يسوده التوازن، لفائدة العرب والفلسطينيين". ونفى السيد محمد بدرة، رئيس المكتب القومي للطلبة الدستوريين، في تصريحات صحفية، في القاهرة، في 28 أبريل، أن يكون الرئيس التونسي قد دعا إلى الاعتراف بإسرائيل، بل هو يدعو إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وذلك بقصد مضايقة إسرائيل. وهو أمر قد حدث، على حد قوله، إذ رفضت إسرائيل تنفيذ القرارات، وحدثت وقيعة بينها وبين أمريكا. وهذا ما كنا نقصده. وقال إنه إذا اتفق العرب على حل غير هذا، فإننا سنكون مع العرب. وأضاف: ولكن الرئيس التونسي يرى أن السلاح، ليس هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على إسرائيل، ولكن هناك "الرأي" أيضاً (انظر ملحق حديث الرئيس بورقيبة إلى أعضاء المكتب القومي للطلبة الدستوريين). رسالة بورقيبة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، حول قضية فلسطين وفى 29 أبريل 1965، بعث الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، برسالة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، حاول فيها توضيح تصريحاته، مؤكداً أنها تستهدف خدمة حقوق العرب في فلسطين (انظر ملحق رسالة الرئيس بورقيبة إلى الرئيس جمال عبدالناصر). بيان ممثلي الملوك والرؤساء العرب وفى 29 إبريل 1965، أصدر ممثلو الملوك والرؤساء العرب بياناً، أكدوا فيه أن اللجنة، نظرت في مذكرة رئيس منظمة تحرير فلسطين بتصريحات السيد الحبيب بورقيبة، رئيس جمهورية تونس، في شأن القضية الفلسطينية، واستذكرت ما أجمعت عليه الأمة العربية، منذ نشأة المطامع الصهيونية الاستعمارية في فلسطين، من الجهاد المقدس ضد هذه المطامع وأخطارها على الوطن العربي، وما قام عليه ميثاق الجامعة، من تمسك الدول العربية كلها بعروبة فلسطين واستقلالها، والتزاماتها بالعمل صفاً واحداً لتحقيق هذا الاستقلال. كما استذكرت النضال العربي المتصل، ضد محاولات الاستعمار والصهيونية تصفية قضية فلسطين واعتراف العرب بإسرائيل. وتذاكرت ما كسبته القضية العربية في المجالين، القومي والدولي، نتيجة لهذه السياسة الجديدة في وحدة العمل العربي لتحرير فلسطين، والمؤامرات الاستعمارية الصهيونية، التي تُدبَّر ضد هذه السياسة القومية. وقررت، بالإجماع، ما يأتي: أولاً: تؤكد اللجنة، من جديد، باسم ملوك ورؤساء الدول العربية وحكوماتها، التمسك التام بمقررات مؤتمرَي القمة العربيين ورؤساء الحكومات العرب، والتزامهم الكامل بجميع ما تنطوي عليه من واجبات ومسؤوليات. كما تؤكد أن الحكومات العربية، معّبرة عن إرادة شعوبها، ماضية بخطى ثابتة في دعم القيادة العربية الموحدة، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني، وفي تنفيذ المشروع العربي لاستثمار مياه نهر الأردن وروافده. وأنها على استعداد تام لمواجهة جميع الاحتمالات، وبذل التضحيات في سبيل تحرير الوطن العربي الفلسطيني تحريراً كاملاً. ثانياً: يؤكد الممثلون الشخصيون باسم ملوكهم ورؤسائهم، رفض أي دعوة إلى الاعتراف، أو المصالحة، أو التعايش مع إسرائيل، التي اغتصبت، بمؤازرة الاستعمار، جزءاً من الوطن العربي، وأخرجت شعبه منه. واتَّخذها الاستعمار والمطامع الأجنبية العدوانية في العالم العربي، قاعدة تهدد البلاد العربية كلها، وتحُول دون قوَّتها وتقدُّمها. كما يعدّون مثل هذه الدعوة خروجاً على الإجماع العربي في قضية فلسطين، وعلى ميثاق الجامعة، ونقضاً للخطط، التي أجمع عليها ملوك ورؤساء وحكومات الدول العربية، وباركتها الأمة العربية. ثالثاً: دعوة مجلس رؤساء الحكومات العربية، للاجتماع في الرابع والعشرين من شهر مايو المقبل، للنظر في تطور الموقف العربي، واتخاذ القرارات الكفيلة بدعم وحدة العمل في قضية فلسطين، وإحباط المؤامرات العدوانية ضدها، وكفالة اطِّراد التقدم، الذي أحرزه العرب في المجالين، القومي والدولي. وفى الأول من مايو 1965، ألقى الرئيس بورقيبة خطاباً، أكد فيه دعوته السابقة، في خصوص قضية فلسطين، وقال: "يجب أن لا يَغْرُب عن بالنا، أن إسرائيل عضو في الأمم المتحدة. وهذا ما يجعل الدول، لا تنظر إلينا بعين الجد، عندما نتحدث عن الحرب، لأن جميع تلك الدول، بما فيها أمريكا وروسيا، بحكم اعترافهما بإسرائيل، وتعاملهما معها، ستتدخل حتماً لوقف الحرب". وقد نشرت جريدة "العمل" في عدديها، الصادرين في 22 و 23 مايو 1965، نص بيان مطول للرئيس بورقيبة، ألقاه في المجلس القومي للحزب الدستوري التونسي، مما لا يخرج عن مواقفه من قضية فلسطين، على النحو الذي ورد أعلاه. كما نشرت جريدة "العمل" في عددها، الصادر في 23 مايو نص بيان، أصدره المجلس القومي للحزب، أعلن فيه تأييد حقوق عرب فلسطين، من ناحية، وإيمانه بمقترحات بورقيبة لحل القضية الفلسطينية، من ناحية أخرى. وفي 11 يونيه، أذاع السيد عبدالعزيز شوشان، الأمين العام "للجبهة الوطنية الديموقراطية" التونسية، بياناً، قال فيه إن الجبهة تعلن للعالم أجمع، وللعرب على وجه الخصوص، أن الشعب التونسي، يرفض، بإصرار، موقف بورقيبة من قضية فلسطين. كما أكد أن الشعب التونسي، ممثلاً في هذه الجبهة، يؤمن إيماناً ثابتاً بحقوق شعب فلسطين في أرضه، ويؤكد عزمه على المشاركة في معركة تحرير فلسطين، التي هي جزء لا يتجزأ من معركة تحرير الوطن العربي كله. ونشرت جريدة "العمل" التونسية، في عددها الصادر في 15 يوليه، نص حديث، أدلى به الرئيس بورقيبة إلى جريدة "الأوبزرفر" (Observer) البريطانية، وفيه اعتراف "بسقوط الحل"، الذي نادى به "تحت ضربات العرب والإسرائيليين على حد سواء". وأضاف: "على هذا النحو، كان من المحتوم أن لا تأتي اقتراحاتي بأي نتيجة، وذهبت الفرصة أدراج الرياح". كما نشرت "العمل"، في عددها، الصادر في 23 يوليه، نص حديث، جرى بين "وفد الاتحاد الدولي للشبيبة الاشتراكية" والرئيس بورقيبة، قال فيه، إنه من، الممكن، في نظره، "تصور حلول وسطى مشرّفة، قد تسهّل الحل النهائي، وتضمن التعايش بين العرب واليهود، حالما يتم إيجاد تسوية لمشاكل الكرامة، والبلدان العربية، ليست موافقة على هذا الرأي". البيان الذي وجَّهه الرئيس الحبيب بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث وفى 13 سبتمبر 1965، وجَّه الرئيس الحبيب بورقيبة مذكرة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث، المنعقد في الدار البيضاء في المغرب، والذي تخلّف بورقيبة عن حضوره، حاول فيها توضيح تصريحاته، التي تضمنت مقترحاته لحل قضية فلسطين، على أساس الاعتراف بوجود إسرائيل (انظر ملحق بيان الرئيس بورقيبة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث). قرار مجلس وزراء الخارجية العرب وقد أصدر مجلس وزراء الخارجية العرب قراراً برفض مذكرة الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لمؤتمر القمة العربي الثالث، المنعقد في 13 - 17 سبتمبر 1965، وعدم توزيعها على الملوك والرؤساء العرب. وفى 13 سبتمبر 1965، اجتمع وزراء الخارجية العرب في الدار البيضاء، مجدداً، في جلسة مغلقة، باستثناء وزير خارجية تونس، بناء على دعوة الأمين العام للجامعة العربية، عبدالخالق حسونة، للاطلاع على مذكرة، تسلمها من الحبيب الشطي، سفير تونس في الرباط، ومقدمة من الرئيس بورقيبة، حول موقفه من مؤتمر القمة، مع طلب من وكيل وزارة الخارجية التونسية، لعرضها على مجلس الملوك والرؤساء، وإدراجها كوثيقة رسمية من وثائق المؤتمر. وأُعلن، بعد انتهاء الاجتماع، أن وزراء الخارجية قرروا، بالإجماع. 1.رفض تسجيل مذكرة الرئيس التونسي في سجلات الجامعة العربية. 2.رفض توزيعها على وفود الدول العربية. 3.رفض عرضها على الملوك والرؤساء العرب. وقد بنى الوزراء هذا القرار، على أساس أن المذكرة، تتضمن تهجماً على القضية الفلسطينية، وتهجماً على دولة عربية. وفي ما يلي نص قرار مجلس وزراء الخارجية العرب، الخاص برفض مذكرة الرئيس بورقيبة لمؤتمر القمة العربي الثالث، بتاريخ 13 سبتمبر 1965: أحيط مجلس وزراء الخارجية علماً بما جاء في رسالة السيد كاتب الدولة للشؤون الخارجية التونسية، للأمين العام للجامعة ، المقدمة في مساء 12/9/1965، والمتضمنة رجاء أن يرفع البيان المرافق لها في شأن موقف تونس من مؤتمر القمة العربي، إلى علم أصحاب الجلالة والفخامة الملوك والرؤساء، وأن يثبت كوثيقة رسمية ضمن وثائق الجامعة، كي يتم توزيعه على الوفود المشاركة، قبل انعقاد المؤتمر. وقرر المجلس عدم إبلاغ البيان إلى الملوك والرؤساء، وعدم إثباته كوثيقة رسمية ضمن وثائق الجامعة، وعدم توزيعه على الوفود المشاركة في المؤتمر. وفي حديث، نشر في مجلة "رباليتيه" الباريسية، في 5 نوفمبر، قال الرئيس التونسي، بورقيبة، في معرض حديثه عن فلسطين، إنه يعتقد أن إسرائيل ومصر، لا تريدان الحرب، وأنهما تحبذان بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه. وأضاف أنه لا يعتقد أن مصر تتطلع إلى حرب مع إسرائيل، سواء اليوم أو غداً. وقال "إذا كانت مصر تملك القنبلة الذرية، فإنها تعرف أن العالم كله سيمنعها من استخدامها، واليهود في الموقف نفسه، لا يريدون الاعتراف بالهزيمة، ولذلك، فإنهم يعطون الانطباع بالاستعداد للعدوان، إلا أنهم يعتقدون، في قرارة أنفسهم، أن أهون الشرين هو الوضع الراهن". وفى 7 يناير 1966، أوردت جريدة "العمل" التونسية خبراً عن منظمة التحرير الفلسطينية، قالت فيه إن عدداً من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، قدّموا مذكرة إلى رئيس المنظمة، قالوا فيها: "إن المبرر الوحيد لقيام المنظمة، هو نقل العمل الفلسطيني إلى مكانه الطبيعي، فوق الأرض المحتلة". وأضافت الجريدة، أن هذا هو ما نادى به الرئيس بورقيبة، كما دعت إلى إخراج القضية الفلسطينية "من المرحلة الجدلية السلبية، إلى العمل والواقع، وإلى الأرض"، حتى يبعث الفلسطينيون الرعب في قلب المغتصب، "ويرغموه على التفاوض، ويجعلوا القضية، تطرح على المحافل الدولية". وفى 18 أبريل 1966، هبط الطيار الإسرائيلي السابق، أبى ناثان، في تونس، في نطاق محاولته الاجتماع بقادة العرب. وقد صرح بأن بورقيبة "هو الرجل الوحيد، الذي أعلّق عليه كل آمالي". كما أنه صرح، بعد وصوله، في 19 أبريل 1966، بأن المسؤولين التونسيين، أبلغوه بأن الرئيس بورقيبة، كان يحضر اجتماعاً، ولكنهم قالوا له: "نرجو أن تعود قريباً". وقال الرئيس التونسي، في مقابلة، أجرتها معه محطة الإذاعة الفرنسية، "أوروبا"، في 26 مايو 1966، إن هدفه من دعوة العرب للاعتراف بإسرائيل، هو "الوصول إلى حل معقول، يضمن التعايش السلمي والسلام في هذا العالم". وأضاف أنه خلال تجوله في العالم العربي، لم يشاهد "أي فلسطيني لديه فكرة إشهار الحرب لتحرير فلسطين". وقال إن محطات الإذاعة العربية، "لا تعمل شيئاً سوى تحريض الفلسطينيين". وفى 16 يونيه، أدلى وزير خارجية إسرائيل، أبا إيبان Abba Eban، بتصريح إلى صحيفة "كومبا" الفرنسية، قال فيه إن فكرة الرئيس بورقيبة، من أن إزالة إسرائيل من الوجود، أمر لا يمكن تحقيقه، ستلاقي تأييداً من جانب بعض القادة العرب. وخلال زيارة الرئيس الحبيب بورقيبة إلى ألمانيا الغربية، جدد دعوته لحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي بالوسائل السلمية. فقد أعلن في 19 يوليه، أمام الصحفيين في بون، أنه "يجب حل قضية فلسطين من طريق الطرفين المعنيين، وعلى مستوى دولي". وقال إن الحل هو قبول قرار الأمم المتحدة، الصادر عام 1947، والاعتراف بحدود إسرائيل كما كانت عليها في ذلك الحين، والسماح بعودة اللاجئين إلى بلادهم. |