يومها نزلت إلى شارع الحبيب بورقيبة منذ العاشرة صباحا ..
كنت أشعر بأهمية أن نتواجد كلنا هنالك ..
لم أعتذر عن الذهاب إلى عملي ,, قد يكون ذلك لأنني لم أشعر بأنني في عطلة .. بل كنت في مهمة وطنية مقدسة : تبليغ صوت الشعب أعلى ما يمكن بأكبر عدد ممكن ..
لا أعلم عددنا يومها .. ولكن أعلم أن عددنا كان كبيرا .. وأن صوتنا كان عاليا .. وأن وجوهنا كانت صارمة ..
وبعد 5 ساعات من الهتافات .. ومطالبة المجرم بالرحيل .. وبمحاكمة عصابته .. وبالنظر إلى مشاركة كل شرائح المجتمع في المظاهرة .. أحسست بأن ساعة ذلك النظام قد حانت .. لم يعد ممكناأن يعود هذا الشعب إلى المنازل وأن يبقى الحال على ما هو عليه ..
ولكن الكل كان متخوفا من النهاية ,, كيف ستكون ؟ هل نذهب إلى قرطاج ؟ هل سيستوجب الأمر إضافة أسطر جديدة لقائمة الشهداء ؟ هل سيأتي الفرج من أصحاب البدلات الرسمية الخضراء ؟ هل ؟ هل ؟ ..
ومع اقتراب الساعة 15 .. كان من الواضح أن الأمور ستتعكر .. فالشعب تسلق حائط الوزارة التي كان منذ أيام فقط مجرد المرور أمامها يرهب قلوب الشجعان .. وقوات الأمن بدأت تتجهز ..
حينها، واستنادا إلى خبرتي الواسعة في الملاعب، حيث ألفت مثل هذه المواقف، قررت العودة إلى المنزل .. وأنا أجر جارتي التي رافقتني إلى المظاهرة .. سألتني :
- لماذا نعود إلى المنزل ؟
- لأنه ليس حكيما أن نكون فريسة سهلة
- إذن لم نفعل شيئا ؟
- لا .. فعلنا اللازم اليوم .. وإذا لم يرحل اليوم سنعود غدا .. وكل يوم حتى يرحل .. ولكن لن نلقي بأنفسنا تحت أقدام الزبانية .. دورنا أنجع ونحن نصرخ ونطالب بالرحيل ..
وعندما فتحت التلفاز ورأيت الإعلان عن قرار ينتظره التونسييون أدركت أننا انتصرنا .. وغلبتني العبرات .. عبرات سنوات القمع والظلم .. وعبرات الفرح بالانجاز ..
وعند المساء .. وأنا أضع رأسي على المخدة لأنام .. كنت أعلم أننا انتصرنا في جولة فقط .. وأن النصر لن يتم إلا بميلاد الجمهورية الجديدة في صحة جيدة ...